قضايا وآراء

تساؤلات حول مفهوم الحيادية الذي تمارسه وكالة الأونروا

محمود الحنفي
"تتعرض وكالة الأونروا لابتزاز سياسي ومالي كبير"
"تتعرض وكالة الأونروا لابتزاز سياسي ومالي كبير"
تلقى المدرس في وكالة الأونروا السيد رياض مصطفى، من سكان مخيم نهر البارد، رسالة من مديرة وكالة الأونروا في لبنان السيدة دورثي كلاوس يوم 17 آذار/ مارس، تُبلِغه فيها بقرار وضعه في إجازة إدارية إلزامية مدفوعة الأجر، بسبب منشور اعتبرته الوكالة أنه ينتهك سياسة الحيادية التي تنتهجها الأخيرة. وقد لاقى هذا القرار غضبا فلسطينيا عارما، تمثل باعتصامات وتظاهرات فضلا عما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع.

وفي تفاصيل الأمر فقد تلقى اللاجئ الفلسطيني الموظف لدى الأونروا (وهو من قرية صفورية قضاء الناصرة وهجر أهله منها عام 1948) رسالة عبر البريد الإلكتروني من مديرة الأونروا في لبنان السيدة دورثي كلاوس، التي تلقت بدورها رسالة من المفوض العام للأونروا السيد فيليب لازاريني بخصوص الأستاذ رياض. وجاء في رسالة السيدة كلاوس بضرورة تسليم الموظف رياض بطاقة العمل الخاصة به والتوقيع على أنه قد استلم الرسالة، وأنه في إجازة عمل إجبارية مدفوعة الأجر لحين انتهاء التحقيق معه، بحسب بيانات حقوقية متابعة.

وبحسب بيان لمنظمة "شاهد" الحقوقية ومقرها في لبنان فإن الأسباب التي دفعت المفوض العام للأونروا شخصياً لاتخاذ قرار بإحالة السيد رياض للتحقيق تعود إلى فيديو كان قد نشره الأستاذ رياض في شهر آب/ أغسطس 2022، يتضمن جنازة الشهيد إبراهيم النابلسي الذي قتلته قوات الاحتلال في آب/ أغسطس ومشاركة والدته في حمل جثمانه، بالإضافة إلى أن الاستاذ رياض كان في 2014 قد أشار بإعجاب (like) على فيديو من حسابه الخاص.

الاهتمام البالغ من هذا الموظف الرفيع لدى الأمم المتحدة بحالة فردية منعزلة وبعيدة في أحد مخيمات اللجوء في لبنان، تحت مسمى الحفاظ على حيادية الأونروا يثير الدهشة والاستغراب، بنفس القدر الذي يطرح جملة من الملاحظات والتساؤلات
تقول المنظمة الأممية (الأونروا)، بحسب إفادة المدرس للمنظمة الحقوقية (شاهد)، إن سلوك المدرس لا يتوافق مع بروتوكول موظفي الأمم المتحدة بخصوص التزام الحيادية وقيم ومبادئ الأمم المتحدة التي تمنع استخدام العنف أو الترويج له، بما في ذلك "عنف الفلسطنييين" بمواجهة دولة الاحتلال.

هذا الاهتمام البالغ من هذا الموظف الرفيع لدى الأمم المتحدة بحالة فردية منعزلة وبعيدة في أحد مخيمات اللجوء في لبنان، تحت مسمى الحفاظ على حيادية الأونروا يثير الدهشة والاستغراب، بنفس القدر الذي يطرح جملة من الملاحظات والتساؤلات:

أولاً: إن وكالة الأونروا هي منظمة دولية أنشأتها الأمم المتحدة، بموجب القرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وارتبط وجودها بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم، واستندت بذلك للقرار 194. معنى هذا الأمر أن الوكالة الدولية هي شاهد سياسي على قضية سياسية يناضل اللاجئون منذ أكثر من خمس وسبعين سنة من أجلها، قدموا ويقدمون مئات آلاف من الشهداء والجرحى والأسرى، وكان للاجئين الفلسطينيين في لبنان النصيب الأكبر من الألم والدم. وتعيش قضية العودة بكل مفرداتها الوطنية في وجدان كل فلسطيني، وهم يتوقون اليوم قبل غد لعودة كريمة. وقد واكبتهم وكالة الأونروا منذ سني النكبة الأولى وقدمت لهم الرعاية التعليمية والصحية، واعتبرت حكومتهم الخدماتية، وأعطتهم الشخصية القانونية. ولا تستطيع أي منظمة دولية، بما فيها وكالة الأونروا نفسها أن تفصل بين البعد الوطني والبعد الإنساني للاجئين الفلسطينيين، وما دام هناك لجوء فإن هناك قضية وطنية تستحق النضال من أجلها.

ثانيا: إن مفهوم الحيادية الذي تتكلم عنه الأمم المتحدة ووكالاتها بما فيها وكالة الأونروا يحتاج لتحديد وتوضيح. إن تطبيق مفهوم الحيادية على النحو الذي نراه منها يعتبر حيادا سلبيا. تتجنب الأمم المتحدة، بما فيها وكالة الأونروا، الحديث عن حقائق راسخة مؤلمة، منها مثلا أن الشعب الفلسطيني واقع إما تحت الاحتلال أو التشريد واللجوء المر، وأن هذا الشعب بهذا الوصف يتمتع بدينامية عالية. كيف يمكن أن يكون الإنسان الفلسطيني حياديا تجاه وطنه وأرضه؟ وكيف يكبت مشاعره تجاه مشاهد الألم الذي يخلفه الاحتلال بين قتل وجرح وأسر وتشريد وتدمير؟ لماذا لا تراعي وكالة الأونروا هذه الواقع؟ وكيف يمكن أن يعيش الفلسطيني حالة من الانفصام عن قضاياه الوطنية؟ وهل هو يستطيع أصلا فعل ذلك؟

ثالثا: تتعرض وكالة الأونروا لابتزاز سياسي ومالي كبير. إن الدول الأكثر دعما لوكالة الأونروا هي الأكثر فرضا للشروط، بما فيها شروط "الحيادية السلبية". وتعتبر الولايات المتحدة، كونها الممول الأكبر لوكالة الأونروا، هي أكثر الدول التي يمكن أن تفرض شروطاً على وكالة الأونروا. وقد وقعت وكالة الأونروا والولايات المتحدة، في تموز/ يوليو 2021، اتفاق إطار استأنفت بموجبه واشنطن الدعم المالي لوكالة الأونروا، بعد توقفه منذ عام 2018 بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب.

تتعرض وكالة الأونروا لابتزاز سياسي ومالي كبير. إن الدول الأكثر دعما لوكالة الأونروا هي الأكثر فرضا للشروط، بما فيها شروط "الحيادية السلبية". وتعتبر الولايات المتحدة، كونها الممول الأكبر لوكالة الأونروا، هي أكثر الدول التي يمكن أن تفرض شروطاً على وكالة الأونروا
إن مساهمات الدول العربية لوكالة الأونروا لا تتعدى 3 في المئة من إجمالي موازنة الأونروا، وهذا الشح يجعل وكالة الأونروا عرضة للابتزاز المالي والسياسي. لعل هذا ما يفسر إلغاء وكالة الأونروا مادة تاريخ وجغرافيا فلسطين من مناهجها التعليمية، ولعل هذا ما يفسر ملاحقة إدارة الأنروا أي موظف يخرق مفهوم "الحيادية".

رابعا: إن حرية الرأي والتعبير أمر مقدس وفق مفاهيم حقوق الإنسان التي رسختها الأمم المتحدة منذ نشأتها عام 1945، وقد عبر المجتمع الدولي عن ذلك بنص صريح في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948. إزاء ذلك كيف يمكن لوكالة الأونروا أن تطبق هذا الحق؟ وما هو المقصود أساسا بحرية الرأي والتعبير وفقط أدبياتها؟

إن الأمم المتحدة وجدت لمقاصد إنسانية وسياسية راقية قائمة على الود والتعاون والتنمية وتمكين الشعوب من تقرير مصيرها، وهي الحكومة العالمية المعنية بحرية وكرامة الشعوب، وهي المعنية باحترام حقوق الإنسان والترويج لها. ليس من اللائق بموظف دولي أي كان مستواه أن يشوه مقاصد الأمم المتحدة، عن قصد أو غير قصد، وأن يسعى جاهدا لملاحقة موظف، اضطرته ظروف اللجوء القاسية كي يعيش في مخيم منذ أكثر من 75 عاما، أن يعبر عن مشاعره الصادقة تجاه شعبه.
التعليقات (0)